الثلاثاء

السلفيون و " الأردوغانية المصرية "

مبدئياً لا أقصد بمصطلح الأردوغانية هنا أمراً ما سلبياً لأن التجربة الأردوغانية من وجهة نظري غير مدانة إسلامياً فى إطارها التركي و المرحلي الحالي و غالباً ما ستبقى هى الحاوي الرئيسي للمضمون الحركي للإسلام فى الساحة التركية نظراً لطبيعة و ظروف تلك الساحة ، و لإلقاء الضوء على الحالة الأردوغانية باختصار يمكن القول بأنها تجربة خرجت من رحم الحركة الإسلامية التركية الصريحة ممثلة فى حزب " الرفاة " و مؤسسه نجم الدين أربكان ،  تلك الحركة التى عملت على استعادة روح التدين و الريادة  التركيتين اللتين افتقدتا لعقود تلت سقوط الخلافة العثمانية فى تركيا مخلفةً تبعيةً غير مجدية للغرب سياسةً و فكراً ، لكن لأن عوامل الرفض داخل مؤسسة الدولة التركية عملت عملها فسجنت أربكان لأكثر من مرة و أوقفت مشروعه فكان خروج أردوغان و زملائه جول و أوغلو و غيرهم منتهجين نهجاً جديداً يتسم بعدم وضوح النفس الإسلامى و نفى المسمى الإسلامى عن الحزب و قبول التعددية الأيدلوجية بداخله من يسار و قومية و ليبرلية بداخله ثم انخفاض مستوى الطموح لأسلمة الدولة و مقاومة مؤثرات التغريب بالشكل الذى كان يعلنه أربكان .
للدخول فى الموضوع بعد تلك المقدمة الفلسفية و التاريخية التى كان لابد منها أقول مبدئياً بأن الاسقاط  بين حالتى أردوغان و أبى الفتوح واضح  و علاقة السلفيين بالموضوع تكمن كما لا يخفى على أى متابع فى ذلك الدعم الذى أعلنته بعض المؤسسات السلفية للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح بما يمثله الرجل من نموذج مقارب من النموذج الأردوغانى و بما يمثله دعمه من دعم لتلك التجربة التى يرى بعض الاسلاميين و منهم كاتب هذه السطورأنها تمثل رجوعاً عن خطوات عدة قطعها الدعاة إلى الله  و السياسيون الإسلاميون مع المجتمع و الدولة منذ ثلاثين عاماً و أكثر ، فوفق المقياس السلفي و وفق ما تتمتع به الظاهرة الإسلامية المصرية من ظروف فإن هذه التجربة بمفاهيمها و رؤاها تعتبر رجوعاً و نكوصاً إلى الوراء و تضحيةً بأشواط عدة قطعتها الحركة الإسلامية المصرية آخذةً فيها المجتمع بأغلب قطاعاته إلى آفاق أعلى درجة في الالتزام القيمى و  القبول المؤسسي ، و للتدليل على ذلك يمكن القول بان الدستور التركى لا ينص على إسلامية الدولة و لا على احترام انتمائها للمنظومة الحضارية الإسلامية بل يرسخ للخصومة بين المجتمع و بين ذلك الموروث الحضارى ، و كذلك فإن تجليات الظاهرة الإسلامية فى أوساط المجتمع التركى لم تصل إلى ذلك الحد من انتشار العبادات و الهدى و المعتقدات الإيمانية التى تتنتشر فى المجتمع المصرى ممارسةً و اعتناقاً ، لذلك فالخطوة من وجهة نظر الكثيرين تعبر عن تناقض واضح  من قبل السلفيين الذين خافوا فى السابق على إسلام الجمهور من طروحات عمرو خالد و طارق السويدان و غيرهم من تلاميذ مدرسة الشيخ الغزالى التى دخلت فى سجال طويل مع السلفية و التى يعد أبو الفتوح واحداً من أنجب تلامذتها .
لمزيد من التوضيح فيمكن القول بأن  حالة " حزب الوسط "  التى يمثلها أبو الفتوح  و التي تتجاوز في مرجعيتها رصيد الفكر و الفقه السياسي المعتمد شرعياً و الذي خلفه المنظرون و العلماء و المجددون الشرعيون من علماء الإسلام حول الإمامة و الحقوق و الحريات العامة و وضع المرأة و الأقليات الدينية و الشورى و مدى إلزاميتها و الفنون و درجة و سقف حريتها و ما إلى ذلك إلى استلهام مفردات الحضارة الإسلامية ككل بما   و أدباء و فنانين و بما اكتنفها من أمور فلسفية و فنية لأشخاص أمثال الجاحظ الفيلسوف و الأصفهاني الأديب و الموسيقى اسحق الموصلي و غيرهم ، و هى رؤى إن مررت و ترسخت طارحة نفسها كـنموذج اسلامى جديد فإنها بطبيعة الحال ستضع ثوابت الاتجاه السلفي و مميزاته بل و ما كان يأخذه حتى على المدرسة المحافظة داخل الإخوان من قبيل مسائل الولاء و البراء و طبيعة الحجاب الاسلامى و وضع المرأة و ضوابط الفن و ما إلى ذلك على المحك ، و اذا ما قارنا ذلك الطرح الوسطى ـ نسبة لحزب الوسط و ليس للوسطية ـ بحالة أبى الفتوح فإن درجة التقارب تبدو واضحة و تصل فى بعض الأحيان إلى التطابق .
عملياً ليس من الصعب توقع آلية تحقق ذلك السيناريو فأبو الفتوح هو الأيدلوجي الوحيد فى السباق الذي لا يقف وراءه حزب ، و هى حقيقة تنبىء بأنه فى حالة نجاحه ـ المفترض جدلاً ـ فلا شك أن تحركات من قبله ستتم لتكوين حزب و هو ما حدث مع أبى إسماعيل الذي سعى لتكوين حزب نال من رصيد السلفية ، فإن تم الأمر نفسه مع أبى الفتوح مخلفاً نزيفاً إخوانياً يؤدى فى النهاية الى تصدع فى تلك المؤسسة التى تشكل العضلة الرئيسية للظاهرة الإسلامية فإننا سنكون بصدد خسارة ثانية على الصعيد الإخوانى بخلاف تلك التى سنمنى بها على الصعيد السلفي .
إن تأطير و تصدر هذه الرؤية " الوسطية "  للمشهد الاسلامى السياسي بل و الوطني هو موقف لن  يخدم السلفية ، فالمنتج الإسلامي السلفي ذو المواصفات الخاصة عالية الجودة ستتم المزايدة عليه مرتين فى سوق الدعوة و الحركة من قبل الحالة الإخوانية  ثم من قبل الحالة الجديدة ، و مازلت أعتقد و أؤكد على مسئولية " جماعة الإخوان " عن هذا التناقض الذى تدفع اليه باقى أجنحة الصحوة دفعاً ، فقرار أبى الفتوح إنما اتخذ من وجهة نظرى فى لاوعى شباب السلفية الذي صوت لصالحه قبل اتخاذه بـ 7 أشهر عندما أسقط عبدالمنعم آخر سلفى هو عبد المنعم الشحات ، قد يقول البعض ان مصداقية انتماء الظاهرة الأردوغانية للصحوة لا يخفى على أى مدقق و بالتالى فلا خوف من استعادتها و اجترارها للتطبيق فى مصر ، لكن المنطق سيرد بلماذا نبدأ من حيث بدأ الآخرون مادمنا قد سبقناه بأشواط ؟

السلفيون و أبو الفتوح .. باستفاضة و بصراحة و قبل فوات الأوان

الصراحة و الاستفاضة تبدوان الآن هما الأمران الحتميان لحسم مسألة المرشح الإسلامي الوحيد فى ظل ما نطالعه من مؤشرات صعود و هبوط فى بورصة الانتخابات الرئاسية ، و لحسن الحظ فإن الأمرين معاً يعدان سهلي المنال بالنسبة لكاتب السطور إذ لا سياجات تنظيمية و لا اعتبارات جماعاتية و لا التزامات حزبية و بالتالى فإن الصراحة و معها  الاستفاضة التى تفرض نفسها أيضا على سياق المقال لكثرة الأفكار و تشابكها و تداخلها ً ستكونان السمة الرئيسية لهذه الكلمات ريثما نتحقق من صحة المواقف بعد قراءة متأنية لما يلقى بظلاله حول عملية الانتخابات الرئاسية من  تناقضات و التباسات . 
بعد متابعة معقولة لمواقف أطراف اللعبة الانتخابية و قراءة متأنية لخريطة القوى و التكتلات الواقفة خلف كل مرشح يمكن الاستنتاج مبدئيا ًٍبأن فرص أبى الفتوح ليست كما كان متوقعاً أو راسخاً فى أذهان البعض خاصة من قادة التيار السلفي ، فالقوى العلمانية التى كان يعول عليها فى قبول أبى الفتوح كحالة وسط بين الطرحين الإسلامي و العلماني أدارت ظهرها له و راحت تصوغ مواقفها وفق رؤى و منطلقات متباينة و مختلفة تعبر عن المصالح الداخلية لها او لقادتها على الأقل ، و لمزيد من التوضيح فإن الحركات و الأحزاب الثورية التى كان من المتوقع أن تتجاوب مع ترشح أبى الفتوح أو حتى صباحي كمرشحين ثوريين لم تعلن أى منها تأييدها لأى منهما ، بل على العكس ترك الأمر اختيارياً على صعيد أحزاب مثل غد الثورة و 6 أبريل و لم يبق سوى " التيار المصري و ائتلاف شباب الثورة " اللذين يعبران فى أغلبية أفرادهما عن المنشقين عن الإخوان من الشباب . 
فى الوقت نفسه فإن خطأ البعض فى التصور بأنه يمكن للنور تحصيل نفس النسبة التصويتية التى سبق و ان حصل عليها فى الانتخابات البرلمانية السابقة دون الالتفات للتباين بين الحالتين الانتخابيتين ، ذلك الخلاف الذى يتمثل فى كون النور و معه الأصالة و البناء  التنمية إنما تحصلوا على ذلك الكم التصويتى بفعل المقدرة الحشدية و التأثيرية التى يتمتع بها قادة الحزب و مرجعياته و من يساندهم من الدعاة و الإعلاميين السلفيين و إيمان و إعجاب الجمهور بسمت و قناعات المترشحين السلفيين و من يقفون وراءهم ، و هو أمر لا يتوفر فى حالة مساندة أبى الفتوح ، أقول تلك هى الحقيقة الغائبة إذ ان الرجل ببساطة لا يعبر عن الحالة السلفية ـ و إن كان لا يمكن إنكار إسلاميته ـ بل و سبق له ان دخل فى حالات سجال و تراشق مع هؤلاء و الادعاء من قبل بعض السلفيين بان ثمة تطابق بين حالته و حالة مرسى لن يقنع العديد من صفوف السلفيين لإلمام العديد من ابناء الحركة السلفية بالخلاف فى الخلفيات المدرسية و القناعات العقدية و الفقهية بين كل من أبى الفتوح و مدرسته و مرسى و خيرت و مدرستهما داخل الإخوان المسلمين ، فالاول كما هو معروف يمثل نتاج لاجتهادات الشيخين الغزالى و القرضاوى  اللذين تعتبر كثير  من اجتهاداتهما على أحسن الأحوال محل انتقاد السلفيين و اتهامها بالتفريط ، فيما يبقى مرسى و معه خيرت و دعاة كراغب السرجانى و وجدى غنيم و صفوت حجازى على سبيل المثال و كلهم من مؤيدى مرسى الأقرب داخل الإخوان لقناعات السلفيين العقدية و الفقهية ، و هنا يمكن الخلوص فى النهاية إلى أن موقف الحزبين ـ النور و البناء و التنمية ـ من ترشيح أبى الفتوح كمن يدعو إلى عرس غيره و ليس إلى عرسه ، وهى حقيقة تؤكدها مثلاً أنه لم يمسع حتى الآن عن مؤتمر سلفى واحد سواء على صعيد الحزب أو الدعوة لمناصرة أبى الفتوح بل على العكس فإنك تجد أن أغلب أفراد الحزب من الصف الثالث و الرابع لا يتحمسون للدعوة له أو التنظير لرئاسته و بالتالى فإن النتيجة التصويتية ستقتصر على بعض أفراد الحزب و ذويهم و ليس الجمهور العريض الذى صوت للنور سابقاً من خارج الحزب ،  و أقول بعض أفراد الحزب لأن ثمة داخل " النور " من لم يلتزم بقرار الدعوة و الحزب و راح يتعاون مع الإخوان فى حملاتهم الانتخابية لصالح مرسى .
من ناحية أخرى فإنه فى الوقت الذى يمكن فيه الادعاء بل و الجزم بأن أبا الفتوح قد لفظ علمانياً و لم يبق معه سوى مجموعة من الشخصيات الكبيرة و أفراد هنا وهناك من المعجبين فإنه يمكن أيضاً الادعاء بأن شفيق أصبح الأخطر بين المتنافسين ، فعامل التفتيت الذى كان يفت فى عضد التصويت الفلولى و الذى لعب دوراً فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة لم يعد موجوداً بعد تحقق الإجماع الفلولى عليه كمرشح وحيد و بعدما بات واضحاً سعى الأشخاص و المؤسسات الموالية للنظام السابق نحو إنجاحه فضلاً عن قوى دولية محيطة ، و مما يعزز من خطورته أن الإعلام العلمانى قام بحملة تخويف شرسة و منظمة ضد الإسلاميين فى وقت لم يظهر فيه مرشح علمانى و غير فلولى واحد ذو رصيد شعبى و مبشر بفوز ، و هو ما قد يؤدى إلى استفادة شفيق من تصويت بعض النخبة بما تمتلكه من آلة إعلامية مؤثرة فى المرحلة الأولى و ربما كلها فى المرحلة الثانية الأمر الذى يجعل من تأييد مرسى و تجاوز الخلافات و التخوفات أمراً مفروضاً على التيار السلفى الذى لا شك ان مصلحة الأمة تسبق لديه باقى الأولويات .
داخل التيار الإسلامى يمكن التنبؤ بأن نجاح أبى الفتوح سيستتبع تشجيعاً للتوجهات و النوايا الانشقاقية داخل مؤسسة الإخوان و هو ما يعنى نشوء و نمو جبهات إسلامية جديدة إذا ما التأمت و تكتلت تلك العناصر الانشقاقية داخل الإخوان و اتجهت نحو أبى الفتوح مما يؤدى الى تكرار التجربة التركية عندما أصاب حزب الرفاة التركي الاضمحلال لصالح حزب العدالة و التنمية على إثر نجاح أردوغان الخارج عن الرفاة فى تحقيق مكاسب سياسية ، وهى توقعات و إن كانت مبالغ فيها إلا أنها قابلة للتحقق فى حالة إذا ما قدر و تصدر أبو الفتوح المشهد السياسي من خارج الإخوان ، وهى توقعات ينبغي على القوى السلفية أن تأخذها مأخذ الجد لأن أى ضربة للإخوان أو تصدع كبير فى بنيانهم المؤسسي سيستتبع بالضرورة تأخيراً للمشروع الاسلامى على الأقل فى مساره السياسي لعقود .
من ناحية أخرى فإن نشوء جبهة إسلامية جديدة تمثل النموذج الأكثر انفتاحاً أو بالتعبير السلفي " تفريطاً " للإسلام الصحوى ستحمل فى طياتها مزايدات ضمنية و ربما علنية على النمط الإسلامي الذي يطرحه السلفيون ، بل و قد تنال من رصيدهم الجماهيرى و هو ما سيجعل السلفية من الأطراف الأكثر تضرراً من وراء ذلك ، لقد كان هناك بعض الاتجاهات داخل الإخوان و خارجهم تتمنى أن يأتى أبو الفتوح ممثلاً للجماعة و التيار ككل و منهم كاتب هذه السطور ، لكن و ربما لا ينفرد كاتب تلك السطور بلكن أقول لكن فى إطار الجماعة بحيث سيكون مقبولاً أن يختلط " انفتاح " أبى الفتوح و تياره بـ " محافظة " رفقائه فى الداخل كما حدث سابقا بين شدة عمر و لين أبى بكر ، و بذا يمكن تجنب ظاهرة الانشطار السياسى الواقعة فى إيران حيث تنقسم القوى العقائدية هناك إلى إصلاحيين و محافظين و هو ما سيكون وارداً تحققه فى الساحة الاسلامية المصرية فى المرحلة المقبلة .
من ناحية أخرى فإن ضعف ما سيق من دفوع من قبل قادة التيار السلفى ـ مع احترامهم ـ حول موقفهم من دعم أبى الفتوح يبدو واضحاً بعد القراءة السابقة ، فلربما لا يحصل أبو الفتوح ولا مرسى أصلاً على ما يدخلهما خانة الإعادة فى ظل ضمان عمرو موسى  للتكتل التصويتى القبطى مع بعض العلمانيين و ضمان شفيق للتكتل الفلولى و قطاع من العوام و القرويين ، فضلاً عن أن تخوف السلفيين من سيطرة الإخوان على مقاليد الحكم كلها يبدو متناقضاً مع سبقهم إلى دعوة الإخوان للدفع بخيرت للترشح ، بل لعل خيرت كان حلاً أمثلاُ بالنسبة لهم و لآخرين للاعفاء من حرج عدم الوقوف وراء أبى إسماعيل ، و من هنا تبقى الحجة الأخيرة التى لم تسق على لسان النخبة السلفية و انما تجرى منذ أيام قليلة قبل إعلان دعم أبى الفتوح  من أن تأمين الدعوة من استهداف الإخوان فى حال تسلمهم السلطة كاملة هو ما دفع السلفيين إلى دعم مرشح يأمنونه و هو استنتاج فى رأيى أقرب للصواب و للاستغراب معاً .
مما سبق يمكن استخلاص أن ثمة حصاداً مراً طفى على سطح العمل الاسلامى ، و أنه لابد من معالجات و مراجعات تعيد الثقة بين أجنحة الصحوة الإسلامية و بعضها ، و لمزيد من الصراحة و التوضيح فإن ما وقع فى إطار التنافس الانتخابى بين الحرية و العدالة و النور فى انتخابات البرلمان و الذى م يكن كله على ما يرام و فوق الحزام ، من إنجاح الإخوان لبعض منافسى حزب النور خاصة فى بورسعيد و الأسكندرية و شعور بعض السلفيين بشىء من التعالى يتعامل به بعض من أفراد الإخوان و من ناحية أخرى ظهور تعليقات لعلماء سلفيين تخص حزب النور بالثناء من دون باقى الأحزاب الإسلامية و قبل ذلك الرصيد الهائل من المؤلفات و الفتاوى خاصة من قبل بعض السلفيين أو غيرهم ممن يدعون السلفية و التى تغلظ فى انتفاد الإخوان و التبخيس من جهادهم ودمغه بأمور باطلة  هو ما تسبب فى ما يقع فى هذه الآونة و فى كل مرة ،  و عموماً فثمة مؤشرات تدل على إدراك جماعة الإخوان أن صدارتها السياسية للحركة الإسلامية و التى تمثل أمراً واقعاً فى هذه المرحلة تفرض عليها أن تحافظ على القافلة من خلفها حتى لا تجد نفسها تقود نفسها و فقط  و باتت الكرة فى ملعب التيار السلفى الذى بإمكانه أن يجنب الحركة الإسلامية تأخيراً فى مشروعها قد يطول لثلاثين أو ربما ستين عاماً أخرى

الأحد

عدت بفضل الله و منة بعد ثورة هى فضل من الله و منة

عدت بفضل الله و منة بعد ثورة هى فضل من الله و منة

السبت

إيغورستان .. بلقان أوروبا

فرضت الأحداث الأخيرة التى تعرض لها المسلمون فى إقليم " شينغ يانغ " الصينى نفسها على الساحة الإعلامية فى الفترة الأخيرة ، فقد كان حجمها و ظروفها محل توقف و متابعة الكثيرين على الرغم من أن ساحة الإقليم لم تخل من اضطرابات عنيفة تنشب بين أقلية الإيغور و حكومة الإقليم من وقت لآخر.
تشبه القضية الإيغورية فى كثير من أبعادها قضية مسلمى البلقان بعد انهيار النظم الشيوعية فى التسعينات كل من ألبانيا و يوغوسلافيا ، فالقواسم المشتركة بين الفريقين عديدة منها أن أصول الفريقين ترجع الى جذور تركية فى أغلبيتهم و لذلك فإن مسمى " التركستان الشرقيين " يعتبر أكثر استخداما لدى مسلمى الصين من مسمى الإيغور ، كما أن الوجود الإسلامى فى الصين شأنه شأن الوجود الإسلامى فى البلقان كان أساسه تمدد الإمبراطوريات التركية المتعاقبة شرقا و غربا ، بالاضافة إلى أن أكثر مظالم " التركستان " الطائفية وقعت فى ظل الحكم الشيوعى الذى انتهى فى البلقان و بقيت آثاره واضحة .
تدعى الصين إن إقليم شينغيانغ أصبح جزءا من الأراضي الصينية قبل الميلاد بستين عاما وإن الإقليم لم يخرج عن سيطرة بكين رغم فترة استقلال قصيرة امتدت من عام 1838 حتى تولت الشيوعية الحكم في بكين عام 1949 بينما تؤكد المنظمات الإيغورية أن الدولة المستقلة استمرت في شينغيانغ حتى عام 1759 عندما غزته جيوش الإمبراطورية الصينية.


و على أى حال فقد تمتع الشعب الإيغورى فى إقليم شينغيانغ على مر العصور بالكثير من الاستقلالية ، لكنه تعرض سأنه شأن باقى الأقليات الدينية و العرقية فى الصين لإجراءات كان من شأنها السحق الثقافى و الدينى إبان استلام الشيوعيين مقاليد الحكم ، فقد قام النظام فى إطار سعيه لتذويب الفروق العقائدية و العرقية بإحلال مجموعات من عرقية " الهان " فى اقليم " شينغ يانغ " مما نال من التفرد الايغورى فى الإقليم ذى الثروة المعدنية الغنية و ، و كنتيجة لذلك قام الكثيرون بالهجرة إلى تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية وبعض الدول الإسلامية في جنوب شرقي قارة آسيا مما جعل نسبة المسلمين تنخفض إلى 70%
شهدت مرحلة الثمانينات و التسعينات استهدافا حاد من قبل سلطات الحزب الشيوعى ــ الهيئة الحاكمة فى الصين ــ للظاهرة الإسلامية ، ففى نشرة رسمية أصدرها المكتب الإعلامي للحزب الشيوعي لتركستان تدعى "إعلام سينغيانغ" العدد 91 لعام 1995 حذر الحزب مما سماه " صحوة المسلمين " ، و كان أهم ما جاء ضمن سطورها : ( في السنوات الأخيرة زادت صحوة المسلمين الدينية ، فزاد عدد المساجد من 14114 مسجداً قبل الثورة الثقافية (نظام طبقه الشيوعيون في عام 1962) إلى 22 ألف و940 مسجداً . كما زاد عدد الحجاج لأكثر من أربعة آلاف حاج سنوياً ، وانتشرت المدارس الدينية ، وحلقات تحفيظ القرآن الكريم التي أقبل عليها الأطفال ، كما فتحت مدارس خاصة للبنات ، مما أدى إلى تزايد إقبال الشباب والنساء على المساجد ، حتى إن بعض المساجد في خوتن ، وكاشغر خصصت أماكن للنساء ، وأصبح بعضهن يرتدين الحجاب ) ... انتهى
بداية من العام 96 أخذت الحكومة فى تكثيف مكافحتها للإيغور الذين رأت فيهم مشروع انفصاليين ، ويذكر المحللون الأجانب أن الصين أغلقت منذ ذلك الحين مئات المساجد ومدارس تحفيظ القرآن في شينغيانغ حيث يقر المسؤولون بأن المساجد السرية ازدهرت ، لكن منحنى الاستهداف قد أخذ فى الارتفاع بعد أحاث الحادى عشر من سبتمبر ، حيث قامت الصين بتأييد الولايات المتحدة فى حربها على ما سمته الإرهاب فى خطوة رأى الكثيرون أن الهدف من ورائها كان اضفاء شرعية على قمع الحكومة لنشطاء المعارضة فى الإقليم ، و بالفعل أخذت الحكومة تشدد القيود القائمة على الإيغور منذ مدة طويلة مستخدمة أساليب متزايدة فى القسوة لسحق الثقافية المحلية للسكان والقضاء عليها على غرار ما يتبع مع أهل إقليم التبت .
أخذت الإضطرابات بين المسلمين و السلطات تتعاظم و تطفو على الساحة الإعلامية متخذة أبعادا إقليمية و دولية ، ففى العام 2001 قتل ستة متظاهرين مسلمين فى صدامات مع قوات الأمن حيث فتحت الشرطة النار على ألفي متظاهر مسلم قدموا من مقاطعة مينغسن لمساندة المسلمين في يانغسين، و مما زاد من حدة ردود الأفعال أن المكتب الإعلامي بمجلس الوزراء الصيني قام بالقاء التبعة على المعارضة مدعيا أن عدة مئات من الإيغور قد تلقوا تدريبات عسكرية في معسكرات تابعة لتنظيم القاعدة بأفغانستان ، فى العام 2004 تكررت نفس الاضطرابات عندما قامت السلطات فى إقليم بتقييد وتحديد منح تأشيرات الحج للمسلمين .
الإيغوريون الآن يعيشون حالة من الحيرة بين الداخل الذى يرفض كل محاولاتهم للتعبير عن ذاتهم و يعتبرهم مشروع انفصاليين و بين الخارج الذى يتجاهل قضيتهم و يعدها فى الصف الثالث إسلاميا ، و هم على الجانبين لا يستطيعون تحريك دفة الأمور فى اتجاه قضيتهم ، فرغم ثقلهم التواجدى الذى يكمن فى التعداد الذى يصل إلى 20 مليون نسمة و التمركز الإقليمى الذى يقتصر تقريبا على إقليم "شينغ يانغ " ، فضلا عن التمايز العرقى الذى يزيد كلما اتجهنا غربا ، إلا أن هناك عقبات تقف فى طريق وصولهم إلى حل قضيتهم ، فإحكام السلطة المركزية قبضتها على الأقاليم و عدم وجود قيادة تركستانية محددة و موحدة الأهداف و عدم وجود سقف موحد للمطالب التى تتوزع بين الانصاف الداخلى و بين الانفصال عن الدولة المركزية ، فضلا عن خفوت أو غياب الأطروحة الاسلامية التى تمايز الأقليتين الشيشانية و الكشميرية عن أنظمتهما السياسية فى الهند و روسيا و التى تعد العامل الرئيسى للتعبئة الانفصالية و عدم وضوح معالمها بالنسبة للإيغور مقارنة بالنموذجين الكشميرى و الشيشانى كل ذلك يجعل من فكرة السعى الانفصالى مخاطرة غير محسوبة .
من ناحية أخرى فإن فكرة الانصاف الداخلى تعد بعيدة المنال ــ الآن على الأقل ــ لافتقاد الإيغور " الخارج " الذى يمكنهم الاستقواء به داخليا ، فمنظمة المؤتمر الإسلامى التى تعد أكبر تجمع إسلامى تعبر فى آدائها و مواقفها عن منظمة مجتمع مدنى أكثر من منظمة ضغط سياسى و دولى ، كما أن تركيا التى تعتبر الخلفية العرقية و التاريخية للإيغور لن تستطيع بمفردها التحرك إقليميا و دوليا لرفع المظالم و وقف الانتهاكات خاصة و أن لديها طموحات فى الانضمام إلى دول الاتحاد الأوروبى مما يجعلها تخفف من نشاطها على الساحة الإسلامية ، أما الأقليات الإيغورية فى المهجر فمازالت لم تتعد مرحلة التعبئة الإعلامية المرهونة بنشوب الأزمات و جمع التبرعات على نطاق ضيق ، لكن و بغض النظر عن تلك الظروف و المعطيات التى لا تصب فى صالح القضية فإن هناك من يرى ــ و منهم كاتب هذه السطور ــ أن الدول الاسلامية تستطيع ممارسة دور ضاغط على حكومة الصين عبر التلويح بالتقليل من حجم التبادل التجارى معها ، و يرى محللون أن هذا هو الحل الأنجح ــ الآن على الأقل ــ إذ أن الاقتصاد الصينى يعتمد بشكل كبير على الطاقة الاستيعابية للأسواق العربية و الاسلامية مما يتيح لصناع القرار فى الدول الإسلامية ــ إن أرادوا لتدخل ــ أن يمارسوا دورا ضاغطا عبر التلويح بالتقليل من حجم التبادل التاجرى بينها و بين الصين ، و لعل هذا هو الإجراء الوحيد الممكن و الذى لا تطمح المنظمات الايغورية من البلاد العربية و الإسلامية إلى أبعد منه حاليا على الأقل .

المئوية الثانية على ميلاد داروين


لم تخلف نظرية علمية على مدار القرنين التاسع عشر و العشرين كما من الجدال و النقاش كذلك الكم الذى خلفته نظرية ( النشوء و الارتقاء ) لعالم الأحياء الانلجيزى تشارلز داروين ، و السبب أن البعد الفلسفى الذى حملته النظرية و الذى يتناول فكرة أصل الإنسان قد أثار جدلا عظيما بين دعاة المادية الذين رأوا فيها تكئة علمية لفكرتهم حول الفلسفة المادية للحياة و التفسير المادى لحركة التاريخ و بين المؤمنين الذين راعهم أن تنفى النظرية أهم مسلمات العقائد السماوية و الأرضية و هى فكرة الخلق ، و فيما انطلق الفريق الأول ينظر لها و يبنى عليها أطروحاته فى الاقتصاد و الفلسفة و علم النفس و الاجتماع ، راح الفريق الثانى يهاجمها و يحاول تفنيدها بكل ما أوتى من قوة معتمدا على أنها لم تقدم دليلا علميا راسخا يثبتها أو ينقض نظرية " الخلق " التى وردت فى جميع الكتب المقدسة .
تتفق نظريتى " التطور " أو النشوء و الارتقاء " مع نظرية الخلق الإلهى على أن الانسان تكون من مادة ميتة ، و أن خروج الحى من الميت و خروج الميت من الحى هو حقيقة ، لكن داروين الذى تحتفل الدوائر العلمية الآن فى الغرب بالذكرى المئوية الثانية لميلاده و المائة و الخمسين لميلاد نظريته رأى وفق كتابه " أصل الأنواع" 1859م الذى ضمنه نظريته أن الكائنات نشأت من خلية واحدة ، و أن هذه الخلية انقسمت لعدد من الخلايا وتطورت نتيجة لعدد من العوامل البيئية والمناخية وبدأت تتطور وتتعدد خلاياها حتى تكونت النباتات والحشرات والحيوانات والإنسان ، و ضرب مثلا على نشوء كائنات حية من مادة ميتة بالديدان التى تظهر حول قطعة من اللحم موضوعة فى إناء محكم الإغلاق ، و ضرب مثلا على فكرة الارتقاء أو التطور بالزرافة التى كانت ذات عنق قصير و مع ارتفاع الأشجار و استحالة وصول فمها إليها دأبت على مد عنقها مما أكسبها طولا ورثته الأجيال المتعاقبة على حد زعمه .
وبرغم النقد المنطقي الذى وجه للنظرية منذ ميلادها إلا أنها وجدت رواجا هائلا لم يتوقف عند نفود نسخ كتاب " أصل الأنواع " الألف ومائتان وخمسون من الطبعة الأولى في اليوم الأول لصدوره ، و لم يمر وقت طويل حتى أصبحت " التطور " هى المرجع الرئيسى الذى بنى عليه منظرى المادية من أمثال ماركس و إنجلز و فرويد تصوراتهم .
لكن التأثير الأكبر الذى خلفته النظرية لم يتوقف عند حد التنظير المادى ، إذ أن فكرة " الارتقاء " التى تمثل الشق الثانى منها قد خلفت نزعات عنصرية تؤمن بتفوق جنس على آخر ، فانطلاقا من المسلمة الداروينية التى ترى أن البشر يتسلسلون بحسب قربهم لأصلهم الحيواني في ست عشرة مرتبة يأتي الأوربيون (البيض) فى قمتها و يقع الزنوج والهنود ثم الملايو و العرب و اليهود في أسفلها قام بعض المؤرخين و البيولوجيين من أمثال فريدريك نيتشة و فرانسيس جالتون بترسيخ فكرهم العنصرى، فقد دعا فرانسيس جالتون من خلال نظريته السماه بـ " اليوجينا " أو " الانتخاب الاصطناعى الى الحد من نسل الافارقة و الاسيويين و الأغبياء و معتادى الإجرام بينما يسمح للبيض الذين من المفروض أنهم يمثلون صفات الذكاء و القوة و الخير بزيادة نسلهم ، أما المؤرخ الألمانى فريدريك نيتشة فقد تطرف أكثر من صاحبه ، حيث رأى ان الإنسان هو المرحلة الوسط بين القرد و السوبر مان و أنه كما تطور القرد إلى إنسان فى القدم فإن من المنتظر إن يتطور الإنسان إلى سوبر إنسان فقط إذا ما سمح له بالعيش فى ظل قانون الغاب الذى سيسمح للأقوياء فقط بالبقاء .
بالطبع لم يكن من الغريب أن تنشأ كيانات سياسية و أحزاب تعتنق هذا التصور ، ففى إيطاليا و ألمانيا قامت الفاشية و النازية بترتيب الشعوب و السلالات فى سلسلة شبيهة إن لم تكن مطابقة لسلسلة داروين ، و قام نيتشة بإهداء كتابه حول الفاشية إلى كل من موسولينى و هتلر اللذين أقاما حروبهما الدموية على أساس فكرة " الشعب المتفوق " أو Heren Volk ، أما الشيوعية التى نظرت إلى كتاب داروين على أنه كتابها المقدس فقد انخرطت هى الأخرى فى صراع مع منافسيها منطلقة من نفس المنطلق المادى و لو بتصور آخر ، و قد نظر الكثيرون إلى الصراع بين النازية و الشيوعية على أنه صراع بين يمين و يسار الداروينية .
من ناحية أخرى فإن الحركة الاستعمارية لم تكن بمنأى عن مضمون النظرية و ما ترتب عليه ، فاليوجينا المشاراليها سلفا وجدت صدى واسعا لدى القوى الاستعمارية التى كانت فى حاجة إلى نظرية علمية تمنح ممارساتها نوعا من التبرير العلمى ، و قد أكسبت اليوجينا تلك القوى قدرا من الأريحية فى ممارساتها العدوانية و التوسعية و هو ما بدا واضحا فى مستعمرات أفريقيا و آسيا و الولايات المتحدة و الجزائر .
فى الشرق كان مضمون النظرية صادما للاوساط الثقافية ، إلا أنها نتيجة للمناخ الليبرالى المنفتح وجدت لها أنصارا و متحمسين ، فقد أخذ المفكر اللبنانى شبلى شميل فى الدعوة لها من خلال المؤلفات و الدوريات ، و قد أدى ذلك الى سجال فكري مستعر و معارك رد فيها المفكر جمال الدين الأفغانى عليه ، لكن و برغم الردود فإن هذه الدعوة قد أثمرت عن نشأة فريق سماه الأفغانى بالدهريين كان من أهم رموزه سلامة موسى و اسماعيل مظهر و منصور فهمى و غيرهم ، و كنتيجة لهذه السجالات نشأ جيل جديد عاش نفس التوترات عبر عنه الأديب نجيب محفوظ فى روايته ــ قصر الشوق ــ فى حوار بين كمال ممثلا للقوى التنويرية و والده ممثلا للقوى المحافظة حول اصل الإنسان وانتمائه الحيوانى .
على الصعيد الآخر أقر كل من موسى و شميل بتفوق الجنس الأبيض ، و لذلك فإن سلامة موسى دعى متأثرا بنيتشة إلى ما يسمى بالسوبر مان ، و قدم كتابه مقدمة السوبر مان الذى دعا فيه الى أن يتزوج المصريون من أجنبيات منطلقا من نفس الأفكار العنصرية ، أما باقى تلامذة شميل باستثناء اسماعيل مظهر فلم يكونوا من دعاة التحرر من الاحتلال الانجليزى انطلاقا من نفس العقدة .
فى المشرق الإسلامى الآن يقتصر الإيمان بنظرية داروين على اليسار الماركسى الذى يفرض على تابعيه الايمان بالمادية الجدلية ، أما باقى القوى فموقفها من النظرية غير ايمانى إن لم يكن عدائى كما هو الحال بالنسبة للتيار الإسلامى ، و قد شهد النصف قرن الماضى عودة كثيرين من معتنقى النظرية و منظريها على رأسهم الدكتور مصطفى محمود صاحب كتاب " رحلتي من الشك إلى الايمان " الذى أكد فيه أن الوحدة بين المخلوقات في الخامة لا اكثر .
فى الغرب الآن مازال الجدال قائما ، حيث تحاول الداروينية تجديد نفسها عبر الاعتماد على مكتشفات علمية جديدة كالطفرة الجينية و إن كانت قد تجاوزت أهم ثوابتها إلى الاعتراف بتعدد أصولً الكائنات و الإقرار بتفرد الإنسان بيولوجياً ، و برغم هذه التطورات إلا أن المؤسسات الدينية الغربية تسعى فى محاولة للظهور بشكل أكثر تسامحا و استنارة إلى التوفيق بين نظريتى التطور و الخلق الإلهى ، و هو أمر بدى واضحا فى اعتذار الكنيسة الانجليزية لداورين العام الماضى و فى تصريح وزير الثقافة في الفاتيكان المطران جيانفرانكو رافاسي بأن " نظرية التطور متوافقة تماما مع الكتاب المقدس، ولا تتعارض إطلاقا مع الإيمان أو اللاهوت المسيحي» ، و على النقيض من هذه المؤسسات يأتى موقف المؤسسات المسلمة فى الغرب ، حيث تقوم الدوائر العلمية الإسلامية انطلاقا من استشعارها خطورة الترويج للنظرية و تبعاته بمحاولة وضع نظرية ذات بناء ديني و علمي تؤصل حياة الكائنات على الأرض ، و فى هذا الصدد قام عالم الأحياء التركى هارون يحيى بوضع كتابه أطلس المخلوقات الذى وزعت المؤسسات الإسلامية منه فى فرنسا آلاف النسخ على المدارس والجامعات الفرنسية عام 2007 محذرة الطلاب من نظرية داروين ، و بين هذا و ذاك تبقى نظرية النشوء و الارتقاء مفردة علمية و ثقافية مثيرة للجدل ، و تظل قنبلة ثقافية موقوته قابلة للإنفجار مخلفة صراعا الفكرى و دمويا إن لم تجد من يصرعها و يحسمها و ينزع فتيلها

الاصلاحيون و المحافظون ... اختلاف أجندات أم انفصام فى الذات ؟؟


خلفت الأزمة السياسية التى وقعت فى ايران الأسابيع الماضية طرحا قويا لمسألة الخلاف بين " المحافظين " و " الاصلاحيين " كما لم تطرح من قبل ، حيث أدى تفاقمها و طغيانها الإعلامى إلى قيام الكثيرين بمحاولة تشخيصها و بيان مداها و أثرها على الواقع و المستجدات السياسية و الاجتماعية فى العالم العربى و الإسلامى بصفة عامة ثم على ما يسمى بظاهرة الإسلامى السياسى بصفة خاصة ، و لكى نخرج فى بحثنا خارج سجن المصطلح الذى لا نكون بالضرورة مؤمنين بمدلوله سنقوم نحن بسجنه داخل قوسين حتى لا يستشكل على القارىء فيظن أننا نميل لتيار دون الآخر
بداية ينبغى أن نؤكد ان ظاهرة الاستقطاب بين " الإصلاحيين " و " المحافظين " ظاهرة لا تقتصر تجلياتها على الساحة السياسية فحسب ، بل تتعداها الى ساحات أخرى كالفكر و الفن و الاعلام و لو أن الاستقطاب السياسى يظل هو الأكثر حضورا على الصعيد الإعلامى . كما أن الظاهرة لا تقتصر على الساحة الإيرانية فحسب بل إن هناك فى العالم العربى و الاسلامى عدة نماذج أرى أنه يمكن القول بأنها تعبر عن الظاهرة . ففى تركيا شهدت نهاية التسعينات استقطابا داخل الحركة الاسلامية انبثق عنه تيار جديد لا يلتزم كثير من مسلمات الحركة الأم ، و الفريقان اذا اسقطنا على حالتهما معايير الخلاف بين " الاصلاحيين " و " المحافظين " ستصبح تسمية " الاصلاحيين " و " المحافظين " جائزة على كل منهما .
أيضا فإن الأحداث التى جدت على السحاتين الأفغانية و الصومالية و ما ترتب عليها فى هذا الصدد من انعكاس للوضع فى ايران و تركيا من حيث انبثاق التيار الإسلامى " المحافظ " من داخل التيار الانفتاحى و ليس العكس ـ طالبان و حركة الشباب المجاهدين ـ ، وتبنى الاتجاه الأول نفس خيارات التيار المحافظ العام من حيث الممانعة العسكرية و الثقافية ثم الأممية الإسلامية و عدم قبول تعددية غير إسلامية خالصة داخل الوطن الواحد . كل ذلك يؤكد سيادة الظاهرة على مستوى العالم الإسلامى .
بالنسبة للتجربة الإيرانية فإنها تتميز عن باقى التجارب بأمرين ، أولهما أن الحركة الدينية فيها تتميز بخلفية مذهبية مغايرة عن باقى الحركات الإسلامية ، مما يجعل ممارساتها العقائدية و السياسية خاصة تجاه التيار الإسلامى السنى فى ايران محل تعليق و ملاحظة بل و إدانة البعض ، الأمر الثانى أن السجالات بين " إصلاحييها " و " محافظيها " أكثر حضورا على الساحة الإعلامية و هو أمر راجع لتصدر التيار الدينى بـ " إصلاحييه " و " محافظيه " الحلبة السياسية منذ الثورة الإيرانية عام 79 .
كانت مرحلة محمد خاتمى (1997 -2005 )هى بداية التمايز و الاصطفاف الحزبى بين الفريقين ، حيث قام الإصلاحيون بتجميع أنفسهم فور نجاح خاتمى داخل إئتلاف ضم قوى اليسار و الوسط و حزبين احدهما مقرب من رفسنجانى و الآخر مقرب من خاتمي الذى خلف توليه انفتاحا ملموسا فى الصحافة و الإعلام و الفن ، و على إثر قيام المحافظين بالشى نفسه بدأت المعارك السياسية و لقانونية و الانتخابية تنشب بين الفريقين ، فالتدابير التى يتخذها رئيس الجمهورية " الاصلاحى " تقابل بالعرقلة من قبل القوى " المحافظة " التى تشكل أغلبية البرلمان ، و الثوابت العامة التى وضعها قادة الثورة الذين كان أغلبهم من " المحافظين " بدا واضحا أن خاتمى " الاصلاحى " ومن وراءه يسعون لتحريكها أو حتى إزالتها ، فمبدأ " ولاية الفقيه " الذى يكرس الزعامة و السلطة بيد القيادة الدينية و مبدأ " تصدير الثورة " الذى يثير عداء دول الجوار و الغرب و يأتى على جزء من الميزانية العامة أصبحا محل انتقاد و استهداف فى الداخل الإيرانى ، هذا بالإضافة إلى القضايا التقليدية التى ساقها بعض " الإصلاحيين " و التى تؤتى الحركات الدينية غالبا من قبها مثل المرأة و الأقليات و حرية التعبير . بالنسبة " للمحافظين " فقد كان ردهم بالتركيز على مغازلة تطلعات و احتياجات الطبقات الفقيرة و المتوسطة ، و هى التى لا تعنيها فكرة الحرية بمفرداتها من حرية زى و تعبير و فكر و غيره مما يدخل ضمن اولويات " الإصلاحيين " ، و هو أمر كان له دوره فى إنجاح مرشح " المحافظين " فى انتخابات 2005 أحمدى نجاد الذى صرح عقب توليه الرئاسة : " إننا لم نقم بالثورة من أجل الديمقراطية "
فى الانتخابات البرلمانية لعام 2008 كان المشهد أكثر وضوحا من حيث التكتلات و الاستهداف المتبادل ، أما الانتخابات الأخيرة التى شهدت النهاية العظمى للاستقطاب بداية بالاتهامات بالفساد قبل النتيجة و بالتزوير بعدها ثم اللجوء للشارع للضغط و استخدام العنف من قبل السلطات التى كان أهما الباسيج سلاح المرشد و ما أسفر عن ذلك من تغيير فى منصبى نائب رئيس الجمهورية و مدير الملف النووى لصالح " الإصلاحيين " .. كل ذلك يطرح تساؤلا مهما مطابقا لعنوان المقال و هو : هل أن هذه التداعيات هى نتيجة منطقية لـ 10 سنوات من الاستقطاب الناتج عن خلاف فى الأجندات و الاولويات ، أم أن جناحا من الحركة الدينية فى إيران خلص أخيرا إلى قناعات جديدة جعلته يسعى لإدراج إيران في سياق ايديولوجيا أخرى غير دينية و لو باستخدام العنف ؟
التساؤل نفسه أو قريب منه يصح اسقاطه على التجربة التركية ، و هى فى هذا الصدد تعد الأكثر ثراءا برغم قلة حضورها و خفوتها الذى يعزى إلى غياب التيار الممثل لـ " المحافظين " بممثليه حزب الرفاة و زعيمه نجم الدين أربكان ، فالطموح لأسلمة الدولة أو على الأقل رفع وصاية العلمانيين ثم الاندماج الإيجابى فى المحيط الإسلامى و مقاومة المؤثرات التغريبية ، كانت الثالوث الأربكانى الأقدس الذى أظهر أردوغان الكفر به و لو بشكل نسبى و ظاهرى ، و هو بذلك يعكس رؤية قريبة من رؤية " إصلاحيي " إيران الذين لا يرون فائدة من صرف حصة من الاقتصاد القومى لتصدير الثورة و دعم حركات المقاومة ، كما لا يرون بأسا من الانفتاح على القيم الثقافية الغربية و استيعاب قوى غير اسلامية داخل الحلبة السياسية و هو ما تمثله العدلة و التنمية باستيعابها قوى قومية ويسارية داخل صفوفها الحزبية . من ناحية أخرى فإن ممارسات العدالة و التنمية تجاه القضايا العربية و الإسلامية و إن كانت محل إعجاب الأوساط الإسلامية إلا أنها تعبر فى نفس الوقت عن انفتاح على جميع الجبهات حتى تلك التى توصف بالمعادية ، و فى هذا الصدد يأتى إبقاء العلاقة مع اسرائيل كثابت استراتيجى تركى و التنسيق مع الولايات المتحدة مع عدم الدخول فى دائرة التبعية كامور تؤكد هذا الانفتاح ، و هى أمور لا ترى فيها القوى " الإصلاحية " فى إيران غضاضة ، خاصة مع مجىء نائب رئيس الجمهورية الإيرانى الجديد الذى صرح سابقا بأن شعب إسرائيل هو شعب صديق لإيران ، لكن يبقى موقف " المحافظين " على النقيض من ذلك في كل من إيران و تركيا ، فأربكان لم يكن يرى فى إسرائيل مجرد شر لابد منه و إنما كان يراها شرا لابد من التخلص منه ، و لربما استطاع انجاز ذلك لو لا الإقصاءات المتكررة التى تعرض لها ، كما أنه كان يناضل من أجل إرساء كثير من المفردات الإسلامية المستهدفة علمانيا كالحجاب و الاندماج الإسلامى ، و قد كان تسامح أردوغان و مجموعته حولها محركا رئيسيا لما يمكن تسميته بحركة الانشقاق .
فى أفغانستان و الصومال ينعكس الوضع بالنسبة للنموذجين السابقين ، ففى إيران و تركيا كان الانشقاق " إصلاحي " عن مجموع " المحافظين " ، أما فى الصومال و أفغانستان حدث العكس حيث خرجت القوى " المحافظة " من عباءة ما يسميه البعض بتيار " الوسطية " ، و رغم لعب أطراف دولية دورا هاما فى ترسيخ وضع النموذجين " المحافظين " فى الصومال و أفغانستان و هما طالبان و حركة الشباب المجاهدين ، إلا أنهما رغم ذلك ظلا يعبران عن قناعات لا تتزعزع برغم انقلاب هذه الأطراف عليهما ، فطالبان بكل ما أحيط بها من استهداف من قبل الجيش الأمريكى و باكستان و تحالف الشمال الذى يلعب هنا دور " الإصلاحيين " ظلت تتشبث بقناعاتها دون تغير ، فتمتنع عن تسليم بن لادن و الظواهرى ، و ترفض خيار التفاوض بأى شكل من الأشكال و على أى وجه من الوجوه ، و ترفض الديمقراطية التعددية كمشروع لنظام مستقبلى إذا ما خرج المحتل أو لم يخرج ، بل إنها ترفض حتى الإشتراك فى نظام تعددى فى ظل سيادة وطنية ، و هى بذلك تتمايز عن باقى الأجنحة الإسلامية التقليدية الموجودة على الساحة الأفغانية منذ الغزو السوفيتى و التى ترفض طالبان كل أطروحاتها و تصوراتها و تستهدفها شأنها شأن القوات الأمريكية . و هى تتطابق فى تلك المواقف مع حركة الشباب المجاهدين التى اعتمدت العمل العسكرى ، منشقة عن المحاكم الإسلامية لتجميدها أنشطتها المسلحة وتحالفها مع المعارضة الصومالية عام 2007 . و هنا تتجلى مفارقة جديرة بالطرح ، ففى ظل النضال السياسى يكون الانشقاق من قبل " الإصلاحيين " على عكس النضال العسكرى الذى يكون الانشقاق فى ظله من قبل " المحافظين " و هو أمر تحقق فى ساحة خامسة هى الساحة العراقية ، مما يثير تساؤلا مهما فى هذا الصدد و مطابقا لعنوان المقال و لو بصيغة مختلفة : ما هو تفسير هذه الحالة من التشظى التى أصابت العمل الإسلامى ؟ هل هو مجرد خلاف على أولويات و مصالح تتعدد حولها وجهات النظر ؟؟ أم هى العملية السياسية التى تصيب بعض الإسلاميين بشىء من البراجماتية فتدفعهم الى مزيد من التنازلات مما يؤدى إلى إنشقاقات ؟؟ أم هى القوى الخارجية و الدولية التى مارست دور التفريق بين المنظمات و الحركات اليسارية فى السابق و تسعى لممارسة الدور نفسه مع أبناء الحركات الإسلامية الآن عبر الاستمالة و الاختراق ؟ أم أنه الخلاف التقليدى داخل المدرسة الواحدة بين أنصار التجديد و أنصار التقليد ؟؟ أعتقد أن المرحلة القادمة كفيلة بالإجابة على هكذا سؤال

الخميس

تاريخ الإساءة للإسلام فى الفكر و الثقافة الغربيين

العلاقة بين الإسلام و الغرب مسألة متأثرة إلى حد كبير بطبيعة التصورات و الموروثات التراثية التى تكنها ثقافة كل طرف تجاه الطرف الآخر ، كما أنها تتشكل فى نفس الوقت حسب طبيعة الدور الذى تمارسه الآلة الإعلامية و الذى يتأثر بطبيعة الحال بمصالح القوى السياسية و الإقتصادية لدى كل طرف ، فى هذا الإطار تأتى مسألة الإساءة للإسلام و رموزه من قبل سياسيين و مثقفين غربيين كأحد تجليات هذه الإشكالية ذات الجذور التاريخية الموغلة فى القدم .و فى الواقع فإن جذور الإساءة للإسلام فى الفكر و الثقافة الغربيين قد نبتت من رحم الصراعات التى نشبت بين الدولة الإسلامية المبتدئة و الكيانات السياسية الغربية التى مثلتها الامبراطورية الرومانية الشرقية فى البداية ثم الممالك الصليبية الغربية فيما بعد ، حيث خلقت حركة الفتوحات الإسلامية و الحروب الصليبية مناخا مناسبا لترسيخ صورة سلبية للإسلام و المسلمين فى الدول و المجتمعات الغربية التى قامت مؤسساتها لاسيما الكنيسة بعملية تبخيس متعمدة للإسلام كانت عاملا إيجابيا فى صد التمدد الإسلامى المتوغل عسكريا و دعويا .
مع الطفرة الهائلة التى غيرت من معالم الأرضية الثقافية للمجتمعات الغربية بعد التحول من المسيحية إلى العلمانية فإن العقلية الغربية أصبحت أكثر اتساعا لتناول الإسلام دراسة و نقدا ، لكن و بالرغم من هذا التغير الذى طرأ على طبيعة النظرة الغربية للإسلام و التى كان قوامها جيلا من المؤرخين و المفكرين الغربيين من أمثال كارل بروكلمان و برنارد شو و غيرهم ممن أقروا بإسهامات الحضارة الإسلامية و دورها فى تحريك عجلة الإنسانية أماما ، فإن فريقا آخر من هؤلاء راح يرسم صورة أخرى متأثرا بمناخ العداء القديم بين الإسلام و القوميات الأوروبية أو منطلقا من الاختلاف بين الإسلام كمنظومة قيمية و المنظومة القيمية الجديدة التى نشأت من رحم الصراع بين اللاهوت و العلم و هو ما يبدو واضحا فى عمل كمسرحية " محمد " لجان فرانسوا فولتير .
فى القرن العشرين ارتطبت مسألة صورة الإسلام فى الغرب أو موقف الغربيين منه باحتدام التنافس الاستعمارى بين الدول الغربية و الذى كانت كل الدول الإسلامية جزءا من وقوده ، حيث يمكن القول أنه باستثناء موقفى الجنرالين أليمبى و غورو فى الشام فإن واقع مراعاة شعور سكان المستعمرات قد جعل مسألة الإساة للإسلام و انتقاده بمنأى عن السياسيين الغربيين ، بيد أن صورة الإسلام لدى المثقف الغربى بقيت مرتبطة بالواقع الذى كانت تعانيه الأقطار الإسلامية فى ذاك الوقت، حتى أن الكثيرين من هؤلاء المثقفين قد عزى هذا الواقع إلى الابتقاء على الإسلام كخلفية ثقافية و قانونية للمجتمعات الإسلامية .
فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية و بداية الحرب الباردة شهدت استمرارا فى واقع المهادنة من قبل الساسة الغربيين تجاه الإسلام ، و رغم نشوء نزاع ذى بعد دينى بين العرب و إسرائيل فإن الإعلام الغربى لم يكن ينال من الإسلام كعقيدة أو ثقافة ، فطوال هذه الفترة كانت الصورة النمطية السلبية للعربى فى الإعلام الغربى مقولبة فى الأغلب فى شخصية الفلسطينى الثورى الأقرب إلى النمط الفتحاوى و الذى يقوم بخطف الطائرات و تفجيرها و احتجاز الرهائن على غرار ما كانت تقوم به الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ذات التوجه اليسارى ، و لم تدخل أبدا مفردات كالحجاب أو اللحية على الخط بل على العكس فلربما كان الممثل لهذه الصورة السلبية شخصية سافرة كشخصية " داليا " الفلسطينية فى فيلم "الأحد الأسود" 1970م أو أفلام أخرى كـ "انتصار في عنتيبي" و"هجوم على عنتيبي" و "محاكمة إرهابي" (1980م) و غيرها ، بالنسبة للمؤسسات الثقافية الأخرى فإن الانشغال بالتنظير ضد الشيوعية قد استهلك الجانب الأكبر من طاقاتها الانتقادية حتى أن كثيرا من المثقفين و المفكرين الغربيين قد رأى فى الدين الإسلامى سندا له فى هذه المواجهه مع الأيدلوجيا الشيوعية المادية ، و بذا فإنه يمكن أن يقال أنه كانت هناك حالة من العزوف مهاجمة و انتقاد الإسلام لاسيما فى فترة نهاية الخمسينات إلى نهاية الستينات لاسيما و أن النفوذ القومى و العلمانى كان هو المسيطر على النظام السياسى فى أغلب الدول الإسلامية و هو ما جعل الإسلام خارج حلبة الصراع .
مرحلة السبعينات فى القرن الماضى شهدت بداية الظاهرة الإسلامية بتجلياتها المختلفة و ظاهرتاها المؤثرتان بشكل أكبر فى شكل العلاقة بين الدوائر السياسية و الفكرية و الإعلامية فى الغرب و العالم الإسلامى ، الظاهرة الأولى كانت مشروع الجهاد الأفغانى الذى كان نجاحه بمثابة انتهاء للحرب الباردة و التفات كثيرين من الأفغان العرب و غيرهم من أبناء التيارات الإسلامية إلى قضايا إسلامية أخرى غير القضية الأفغانية التى كانت الولايات المتحدة طرفا سلبيا فيها بالنسبة للمسلمين مثل القضية الفلسطينية والقضية العراقية بعد الغزو و الحصار الأمريكى للعراق و هو ما كان ينبىء بإمكانية الإصطدام مع الغرب .
 غير أن الغرب هو الآخر كان قد خرج بنظرية تنبىء باحتمالية أو ربما حتمية الصدام حيث أقر فى "منتدى الشؤون الأمنية الدولية" في ميونيخ عام 1991م نظرية "الإسلام عدو بديل" وكان الذي استخدم هذا التعبير لأول مرة في محفل سياسي دولي هو وزير الدفاع الأمريكي آنذاك ديك تشيني ، فى تلك الفترة تحولت صورة المسلم و الإسلام السلبية فى الإعلام الغربى من النموذج العروبى الذى يبتعد بإسلامه عما يرتبط بالسياسة والحكم والتشريع والقوانين ، إلى صورة الأصولى الذى يلتزم الإسلام سمتا و أسلوبا فى الحياة ، و من هنا بدأ التركيز فى الفكر و الإعلام الغربيين على "الأصولية" مع "تصريحات" تقول بتبرئة الإسلام كدين سماوي منها، وتثبيت فكرة أن الأصولية هي "الإسلام السياسي" ، فى هذه الفترة قام الإعلام الغربى بالهجوم على كافة الظواهر الإسلامية حيث تضاعفت الحملة الدعائية في الغرب ضد المقاومة الإسلامية في فلسطين، مع إعطاء مسلسل الجرائم الدموية في الجزائر عنوان "الإرهاب الإسلامي" ، أما على مستوى المثقفين فقد انتهج الغرب ما يمكن تسميته بأسلوب " الاحتفاء بالمارقين " ، حيث استقبل الغرب كثير من المثقفين المنتمين للعالم الإسلامى ممن وجهوا انتقادات شديدة و صريحة للدين الإسلامى من أمثال سلمان رشدى تسليمة نسرين نصر حامد أبو زيد و غيرهم .
بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر ازدادت حدة الهجوم الغربى على الإسلام بحيث أصبح الساسة هم المتصدرون لعملية الإساءة بشكل غير مسبوق على الإطلاق ، فبالإضافة إلى عبارة" الحرب الصليبية " التى جاءت على لسان بوش عقب التفجيرات فقد خرج بيرلسكونى رئيس وزارء إلإيطالى ذى التوجهات اليمينية بتصريحات معادية للإسلام هو الآخر و كذا جون أشكروفت وزير العدل الأمريكى ثم تصريحات رجال الدين الغربيين من أمثال جيرى فالويل و جيرى فاينز و بات روبيرتسون بالإضافة إلى العديد من الأعمال الفنية التى هاجمت الدين الإسلامى بدرجة أودت بحياة أصحابها كما وقع مع المخرج الهولندى فان جوخ ، وحتى تلك الرسوم الدنماركية الأخيرة ، و بغض النظر عن السبب وراء أيا من هذه الإساءات سواء كان فهما مغلوطا أو استهدافا متعمدا فإن مسألة الموقف ككل من الإسلام فى الغرب بالإساءة أو بالإطراء أصبحت من الزخم و الوضوح بحيث تشير إلى حقيقة مهمة و هى أن الغرب يسعى من وراء كل هذه التصريحات و المواقف سواء كانت غزلية أو عدائية لخلق إسلام جديد يستوعب فى داخله القيم الحضارية الغربية و ينبذ ما يصطدم بها من قيم و أن هذه الخطوة من قبل الغرب ستشكل تحديا خطيرا لا مفر منه بالنسبة للمسلمين المقيمين فى المجتمعات الغربية .