الخميس

تاريخ الإساءة للإسلام فى الفكر و الثقافة الغربيين

العلاقة بين الإسلام و الغرب مسألة متأثرة إلى حد كبير بطبيعة التصورات و الموروثات التراثية التى تكنها ثقافة كل طرف تجاه الطرف الآخر ، كما أنها تتشكل فى نفس الوقت حسب طبيعة الدور الذى تمارسه الآلة الإعلامية و الذى يتأثر بطبيعة الحال بمصالح القوى السياسية و الإقتصادية لدى كل طرف ، فى هذا الإطار تأتى مسألة الإساءة للإسلام و رموزه من قبل سياسيين و مثقفين غربيين كأحد تجليات هذه الإشكالية ذات الجذور التاريخية الموغلة فى القدم .و فى الواقع فإن جذور الإساءة للإسلام فى الفكر و الثقافة الغربيين قد نبتت من رحم الصراعات التى نشبت بين الدولة الإسلامية المبتدئة و الكيانات السياسية الغربية التى مثلتها الامبراطورية الرومانية الشرقية فى البداية ثم الممالك الصليبية الغربية فيما بعد ، حيث خلقت حركة الفتوحات الإسلامية و الحروب الصليبية مناخا مناسبا لترسيخ صورة سلبية للإسلام و المسلمين فى الدول و المجتمعات الغربية التى قامت مؤسساتها لاسيما الكنيسة بعملية تبخيس متعمدة للإسلام كانت عاملا إيجابيا فى صد التمدد الإسلامى المتوغل عسكريا و دعويا .
مع الطفرة الهائلة التى غيرت من معالم الأرضية الثقافية للمجتمعات الغربية بعد التحول من المسيحية إلى العلمانية فإن العقلية الغربية أصبحت أكثر اتساعا لتناول الإسلام دراسة و نقدا ، لكن و بالرغم من هذا التغير الذى طرأ على طبيعة النظرة الغربية للإسلام و التى كان قوامها جيلا من المؤرخين و المفكرين الغربيين من أمثال كارل بروكلمان و برنارد شو و غيرهم ممن أقروا بإسهامات الحضارة الإسلامية و دورها فى تحريك عجلة الإنسانية أماما ، فإن فريقا آخر من هؤلاء راح يرسم صورة أخرى متأثرا بمناخ العداء القديم بين الإسلام و القوميات الأوروبية أو منطلقا من الاختلاف بين الإسلام كمنظومة قيمية و المنظومة القيمية الجديدة التى نشأت من رحم الصراع بين اللاهوت و العلم و هو ما يبدو واضحا فى عمل كمسرحية " محمد " لجان فرانسوا فولتير .
فى القرن العشرين ارتطبت مسألة صورة الإسلام فى الغرب أو موقف الغربيين منه باحتدام التنافس الاستعمارى بين الدول الغربية و الذى كانت كل الدول الإسلامية جزءا من وقوده ، حيث يمكن القول أنه باستثناء موقفى الجنرالين أليمبى و غورو فى الشام فإن واقع مراعاة شعور سكان المستعمرات قد جعل مسألة الإساة للإسلام و انتقاده بمنأى عن السياسيين الغربيين ، بيد أن صورة الإسلام لدى المثقف الغربى بقيت مرتبطة بالواقع الذى كانت تعانيه الأقطار الإسلامية فى ذاك الوقت، حتى أن الكثيرين من هؤلاء المثقفين قد عزى هذا الواقع إلى الابتقاء على الإسلام كخلفية ثقافية و قانونية للمجتمعات الإسلامية .
فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية و بداية الحرب الباردة شهدت استمرارا فى واقع المهادنة من قبل الساسة الغربيين تجاه الإسلام ، و رغم نشوء نزاع ذى بعد دينى بين العرب و إسرائيل فإن الإعلام الغربى لم يكن ينال من الإسلام كعقيدة أو ثقافة ، فطوال هذه الفترة كانت الصورة النمطية السلبية للعربى فى الإعلام الغربى مقولبة فى الأغلب فى شخصية الفلسطينى الثورى الأقرب إلى النمط الفتحاوى و الذى يقوم بخطف الطائرات و تفجيرها و احتجاز الرهائن على غرار ما كانت تقوم به الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ذات التوجه اليسارى ، و لم تدخل أبدا مفردات كالحجاب أو اللحية على الخط بل على العكس فلربما كان الممثل لهذه الصورة السلبية شخصية سافرة كشخصية " داليا " الفلسطينية فى فيلم "الأحد الأسود" 1970م أو أفلام أخرى كـ "انتصار في عنتيبي" و"هجوم على عنتيبي" و "محاكمة إرهابي" (1980م) و غيرها ، بالنسبة للمؤسسات الثقافية الأخرى فإن الانشغال بالتنظير ضد الشيوعية قد استهلك الجانب الأكبر من طاقاتها الانتقادية حتى أن كثيرا من المثقفين و المفكرين الغربيين قد رأى فى الدين الإسلامى سندا له فى هذه المواجهه مع الأيدلوجيا الشيوعية المادية ، و بذا فإنه يمكن أن يقال أنه كانت هناك حالة من العزوف مهاجمة و انتقاد الإسلام لاسيما فى فترة نهاية الخمسينات إلى نهاية الستينات لاسيما و أن النفوذ القومى و العلمانى كان هو المسيطر على النظام السياسى فى أغلب الدول الإسلامية و هو ما جعل الإسلام خارج حلبة الصراع .
مرحلة السبعينات فى القرن الماضى شهدت بداية الظاهرة الإسلامية بتجلياتها المختلفة و ظاهرتاها المؤثرتان بشكل أكبر فى شكل العلاقة بين الدوائر السياسية و الفكرية و الإعلامية فى الغرب و العالم الإسلامى ، الظاهرة الأولى كانت مشروع الجهاد الأفغانى الذى كان نجاحه بمثابة انتهاء للحرب الباردة و التفات كثيرين من الأفغان العرب و غيرهم من أبناء التيارات الإسلامية إلى قضايا إسلامية أخرى غير القضية الأفغانية التى كانت الولايات المتحدة طرفا سلبيا فيها بالنسبة للمسلمين مثل القضية الفلسطينية والقضية العراقية بعد الغزو و الحصار الأمريكى للعراق و هو ما كان ينبىء بإمكانية الإصطدام مع الغرب .
 غير أن الغرب هو الآخر كان قد خرج بنظرية تنبىء باحتمالية أو ربما حتمية الصدام حيث أقر فى "منتدى الشؤون الأمنية الدولية" في ميونيخ عام 1991م نظرية "الإسلام عدو بديل" وكان الذي استخدم هذا التعبير لأول مرة في محفل سياسي دولي هو وزير الدفاع الأمريكي آنذاك ديك تشيني ، فى تلك الفترة تحولت صورة المسلم و الإسلام السلبية فى الإعلام الغربى من النموذج العروبى الذى يبتعد بإسلامه عما يرتبط بالسياسة والحكم والتشريع والقوانين ، إلى صورة الأصولى الذى يلتزم الإسلام سمتا و أسلوبا فى الحياة ، و من هنا بدأ التركيز فى الفكر و الإعلام الغربيين على "الأصولية" مع "تصريحات" تقول بتبرئة الإسلام كدين سماوي منها، وتثبيت فكرة أن الأصولية هي "الإسلام السياسي" ، فى هذه الفترة قام الإعلام الغربى بالهجوم على كافة الظواهر الإسلامية حيث تضاعفت الحملة الدعائية في الغرب ضد المقاومة الإسلامية في فلسطين، مع إعطاء مسلسل الجرائم الدموية في الجزائر عنوان "الإرهاب الإسلامي" ، أما على مستوى المثقفين فقد انتهج الغرب ما يمكن تسميته بأسلوب " الاحتفاء بالمارقين " ، حيث استقبل الغرب كثير من المثقفين المنتمين للعالم الإسلامى ممن وجهوا انتقادات شديدة و صريحة للدين الإسلامى من أمثال سلمان رشدى تسليمة نسرين نصر حامد أبو زيد و غيرهم .
بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر ازدادت حدة الهجوم الغربى على الإسلام بحيث أصبح الساسة هم المتصدرون لعملية الإساءة بشكل غير مسبوق على الإطلاق ، فبالإضافة إلى عبارة" الحرب الصليبية " التى جاءت على لسان بوش عقب التفجيرات فقد خرج بيرلسكونى رئيس وزارء إلإيطالى ذى التوجهات اليمينية بتصريحات معادية للإسلام هو الآخر و كذا جون أشكروفت وزير العدل الأمريكى ثم تصريحات رجال الدين الغربيين من أمثال جيرى فالويل و جيرى فاينز و بات روبيرتسون بالإضافة إلى العديد من الأعمال الفنية التى هاجمت الدين الإسلامى بدرجة أودت بحياة أصحابها كما وقع مع المخرج الهولندى فان جوخ ، وحتى تلك الرسوم الدنماركية الأخيرة ، و بغض النظر عن السبب وراء أيا من هذه الإساءات سواء كان فهما مغلوطا أو استهدافا متعمدا فإن مسألة الموقف ككل من الإسلام فى الغرب بالإساءة أو بالإطراء أصبحت من الزخم و الوضوح بحيث تشير إلى حقيقة مهمة و هى أن الغرب يسعى من وراء كل هذه التصريحات و المواقف سواء كانت غزلية أو عدائية لخلق إسلام جديد يستوعب فى داخله القيم الحضارية الغربية و ينبذ ما يصطدم بها من قيم و أن هذه الخطوة من قبل الغرب ستشكل تحديا خطيرا لا مفر منه بالنسبة للمسلمين المقيمين فى المجتمعات الغربية .